Sunday, April 5, 2015

الأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِاللِّحْيَةِ

الأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِاللِّحْيَةِ
تَتَعَلَّقُ بِاللِّحْيَةِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ:
7 - إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا اتِّفَاقًا، لِلأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ، مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ (2) ، وَمِثْلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِلَفْظِ: جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ (3) ، وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ (4) ، فَعَدَّ مِنْهَا " إِعْفَاءَ اللِّحْيَةِ ".
قَال ابْنُ حَجَرٍ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ مُخَالِفَةُ الْمَجُوسِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَ لِحَاهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَحْلِقُهَا، وَقَال: ذَهَبَ الأَْكْثَرُونَ إِلَى أَنْ " أَعْفُوا " بِمَعْنَى كَثِّرُوا، أَوْ
__________
 (2) حديث ابن عمر: " خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 349) .
(3) حديث أبي هريرة: جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى. . . ". أخرجه مسلم (1 / 222) .
(4) حديث عائشة: " عشر من الفطرة ". أخرجه مسلم (1 / 223) .

وَفِّرُوا، وَنُقِل عَنِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَفْسِيرُ الإِعْفَاءِ بِالتَّكْثِيرِ مِنْ إِقَامَةِ السَّبَبِ مُقَامَ الْمُسَبَّبِ لأَنَّ حَقِيقَةَ الإِعْفَاءِ التَّرْكُ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِلِّحْيَةِ يَسْتَلْزِمُ تَكْثِيرَهَا.
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَرْكُهَا حَتَّى تَكِثَّ وَتَكْثُرَ (1) .
تَكْثِيرُ اللِّحْيَةِ بِالْمُعَالَجَةِ
8 - قَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا فَهِمَ مِنَ الأَمْرِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْفُوا اللِّحَى تَجْوِيزَ مُعَالَجَتِهَا بِمَا يُغْزِرُهَا، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ، قَال: وَكَأَنَّ الصَّارِفَ عَنْ ذَلِكَ قَرِينَةُ السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ فِي بَقِيَّةِ الْخَبَرِ وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى مُجَرَّدِ التَّرْكِ (2) .
الأَْخَذُ مِنَ اللِّحْيَةِ:
9 - ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، مِنْهُمُ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنْ لاَ يُتَعَرَّضَ لِلْحَيَّةِ، فَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ طُولِهَا أَوْ عَرْضِهَا لِظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي الأَمْرِ بِتَوْفِيرِهَا، قَال: الْمُخْتَارُ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا، وَأَنْ لاَ يُتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرٍ وَلاَ غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا زَادَ طُول اللِّحْيَةِ عَنِ الْقَبْضَةِ يَجُوزُ أَخْذُ
__________
(1) فتح الباري 10 / 351، وحاشية ابن عابدين 2 / 205.
(2) فتح الباري 10 / 351.

الزَّائِدِ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ (1) ، وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَمَا فَضَل أَخَذَهُ ". قَال ابْنُ حَجَرٍ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لاَ يَخُصُّ هَذَا بِالنُّسُكِ بَل كَانَ يَحْمِل الأَمْرَ بِالإِعْفَاءِ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ الَّتِي تَتَشَوَّهُ فِيهَا الصُّورَةُ بِإِفْرَاطِ طُول شَعْرِ اللِّحْيَةِ أَوْ عَرْضِهِ (2) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ أَخْذَ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ سُنَّةٌ، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْقَصُّ سُنَّةٌ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّجُل عَلَى لِحْيَتِهِ، فَإِنْ زَادَ مِنْهَا عَنْ قَبْضَتِهِ شَيْءٌ قَطَعَهُ، كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، قَال: وَبِهِ نَأْخُذُ (3) .
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَفِيَّةِ: يَجِبُ قَطْعُ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ وَمُقْتَضَاهُ كَمَا نَقَلَهُ الْحَصْكَفِيُّ (4) ، الإِثْمُ بِتَرْكِهِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُكْرَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَنِ الْقَبْضَةِ مِنْهَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَنَقَلُوا عَنْهُ
__________
(1) أثر ابن عمر " أنه كان إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 396) ، والرواية الأخرى أخرجها البخاري (فتح الباري 10 / 349) .
(2) فتح الباري 10 / 350.
(3) الفتاوى الهندية 5 / 358، وابن عابدين 2 / 113، 205 و5 / 261.
(4) ابن عابدين 2 / 113.

أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ عَارِضَيْهِ (1) .
وَذَهَبَ آخَرُونَ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَأْخُذُ مِنَ اللِّحْيَةِ شَيْئًا إِلاَّ إِذَا تَشَوَّهَتْ بِإِفْرَاطِ طُولِهَا أَوْ عَرْضِهَا، نَقَلَهُ الطَّبَرِيِّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَحَمَل عَلَيْهِ فِعْل ابْنَ عُمَرَ، وَقَال: إِنَّ الرَّجُل لَوْ تَرَكَ لِحْيَتَهُ لاَ يَتَعَرَّضُ لَهَا حَتَّى أَفْحَشَ طُولُهَا أَوْ عَرْضُهَا لَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَنْ يَسْخَرُ بِهِ، وَقَال عِيَاضٌ: الأَخَذُ مِنْ طُول اللِّحْيَةِ وَعَرْضِهَا إِذَا عَظُمَتْ حَسَنٌ، بَل تُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا تُكْرَهُ فِي تَقْصِيرِهَا (2) ، وَمِنَ الْحُجَّةِ لِهَذَا الْقَوْل مَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا (3) ، أَمَّا الأَخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ وَهِيَ دُونَ الْقَبْضَةِ لِغَيْرِ تَشَوُّهٍ فَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ: لَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ (4) .

حَلْقُ اللِّحْيَةِ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ لأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِلأَْمْرِ النَّبَوِيِّ
__________
(1) شرح المنتهى 1 / 40، ونيل المآرب 1 / 57 الكويت، دار الفلاح 1403هـ.
(2) فتح الباري 10 / 350.
(3) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها ". أخرجه الترمذي (5 / 94) من حديث عمرو بن العاص وقال: هذا حديث غريب، وذكر ابن حجر في الفتح (10 / 350) تضعيف أحد رواته.
(4) ابن عابدين 2 / 113.

بِإِعْفَائِهَا وَتَوْفِيرِهَا، وَتَقَدَّمَ قَوْل ابْنِ عَابِدِينَ فِي الأَْخْذِ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ الْقَبْضَةِ: لَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ، فَالْحَلْقُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَفِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ الْمَالِكِيِّ: يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُل حَلْقُ لِحْيَتِهِ، وَيُؤَدَّبُ فَاعِل ذَلِكَ، وَقَال أَبُو شَامَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: قَدْ حَدَثَ قَوْمٌ يَحْلِقُونَ لِحَاهُمْ، وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا نُقِل عَنِ الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُصُّونَهَا.
ثُمَّ قَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلاَ يَحْلِقُ شَعْرَ حَلْقِهِ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عَلَى أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ أَخْذُ الرَّجُل مَا تَحْتَ حَلْقِهِ مِنَ الشَّعْرِ أَيْ لأِنَّهُ لَيْسَ مِنَ اللِّحْيَةِ (1) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 5 / 358، وحاشية الدسوقي على الدردير 1 / 90، 422، 423، وفتح الباري 10 / 351، وشرح المنتهى 1 / 40.


الموسوعة الفقهية الكويتية، صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت

No comments: